سورة يوسف - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يوسف)


        


ولما توجهت القافلة نحو ديار الشام، وكان يعقوب مسغرِقا في ترقُّب ما تأتي به رحلةُ بنيه، قال: إني لأَشَمّ رائحة يوسف، ولولا خشيةُ أن تتهموني في قولي لأنبأتُكم عن يوسف بأكثر من الشعورِ والوجدان.
فقال من حضر وسمع مقاله: {قَالُواْ تالله إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ القديم} يا يعقوب، من حبِّ يوسف لا تسلوه. ولم يطل الانتظار حتى جاء البشير إلى يعقوب بسلامة يوسف وأخيه، والقى قميص يوسف على وجه يعقوب بصيراً وقرّت عينه وبشرّ نفسه باللقاء، فقال لمن لاموه وفنّدوا رأيه: {أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إني أَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ}.
فأقبلوا عليه معتذرِين عما كان منهم، وطلبوا منه ان يستغفر لهم ذنوبهم، واعترفوا بخطأهم، فقال لهم: سأظلّ أطلب لكم العفو من الله عن سيئاتكم، {إِنَّهُ هُوَ الغفور الرحيم}.


وتيهأ يعقوب وبنوه وأهله للسفر وشدّوا رحالَهم إلى مصر، فلما بلغوها دخلوا على يوسف، فآوى إليه أبويه: يعقوب وزوجته، خالة يوسف، لان أمه ماتت وهو غصير، ورفعهما على العرش. وسجد له ابوه وزوجته واخوته الاحد عشر، وقال لابيه: يا أبت، هذا تأويل رؤياي من قبلُ، قد جعلها ربّي تتحقق، وقد أكرمني وأحسنَ إليّ، فأظهر براءتي وخلّصني من السجْن، وأتى بكم من البادية لنلتقي بعد أن افسد الشيطان بيني وبين إخوتي، وهذا كله من لطف الله بي وبكم، إن ربي لطيفٌ لمن يشاء انه هو العليم الحكيم.
واتجه يوسف إلى الله بشكره قائلا: ربِّ ما أكثر عليَّ، وما أعظَمها! لقد منحتني المُلك ووهبتَني من العمل الكثير. يا خالق السماوات والأرض، أنت مالكُ أمري ومتولي نعمتي في محيايَ وبعد مماتي {تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بالصالحين} من آبائي ابراهيم واسحق ومن قبلهم، واحشُرني في زمرتهم.
ذلك الذي قَصصنا عليك ايها النبيّ (الرسول الكريم) من أخبار الماضي البعيد، لم يأتك الا عن طري الوحي منها، وما كنتَ حاضراً إخوةَ يوسف وهم يدبّرون له المكائد، وما علمتَ بكيدِهم الا عن طريقنا.
انتهت قصة يوسف اكبر قصة في القرآن الكريم كما تقدم.


غاشية: عقوبة شاملة. الساعة: القيامة. بغتة: فجأة.
{وَمَآ أَكْثَرُ الناس وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}.
انتهت قصة يوسف وبدأت بعد ذلك التعقيبات عليها، ومعها لفتات متنوعة، وجولات موحية في صفحة الكون وفي أغوار النفس، وفي الغيب المجهور، وكل هذا لولا وحيُ الله تعالى لما وصل إلى علم النبيّ الكريم عليه الصلاة والسلام.
لقد كان رسولُ الله حريصاً على إيمان قومه، رغبة في إيصيال الخير الذي جاء به إليهم، ورحمة لهم مما ينتظرُ المشركين من نكد الدنيا وعذاب الآخرة.
وما اكثرُ مشكركي قومك يا محمد- ولو حَرَصت على أن يؤمنوا بك ويتبعوا ما جئتهم به من عندك ربك- بمؤمنين.
{وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ}.
أنت غنيّ عن ايمانهم يا محمد، فلستَ تطلب منهم أجرا على الهداية ولا مالا ولا منفعة. انك انما تدعوهم ان يتبعوا أمر ربك، وفي ما تعدوهم اليه تذكير وموعظة لارشاد العالمين كافة الا لهم خاصة.
{وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السماوات والأرض يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ}.
ما اكثر الدلائل المبثوثة في تضاعيف الكون على وجود الخالق ووحدانيته وكماله. انها معروضة للابصار والبصائر، في السموات والارض، وهم يمرون عليها صباح مساء، ولكنهم لا يروْنها ولا يسمعون دعاءها ولا يحسون ايقاعها العميق.
{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بالله إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ}.
قال ابن عباس: هم أهل مكّة آمنوا وأشركوا وكانوا يقولون في تلبيتهم: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك، الا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك. وهذا هو الشِرك الاعظم.
فايمان اكثرهم لا يقوم على اساس سليم من التوحيد، لأنهم لا يعترفون بوحدانية اله اعترافا خالصا، ولكنه مقترن في نفوسهم بشوائب تسلكهم في مسلك المشركين.
والشرك انواع، روى الامام احمد ان رسول الله قال: «انّ أخوفَ ما أخافُ عليكم الشركُ الاصغر، قالوا: وما الشِرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرياء، يقول الله تعالى يوم القيامة إذا جاء الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الّذين كنتم تراءون في الدّنيا فانظُروا هل تجشدون عندَهم من جزاء».
وبعد، فما الذي ينتظره أولئك المعرِضون عن آياتِ الله الناطقة في صفحات الوجود بعد اعراضهم عن آيات القرآن التي لا يُطلب منهم عليها أجر.
{أفأمنوا أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ الله أَوْ تَأْتِيَهُمُ الساعة بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ}.
افأمِنَ هؤلاء الذين يؤمنون بالله لكنهم يشركون به غيره في العبادة، ان تاتيهم عقوبة شاملة تغشاهم، أو تأتيهم الساعة فجأة حيث لا يتوقعون!!

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9